کد مطلب:109902 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:147

خطبه 184-به همام درباره پرهیزکاران











ومن خطبة له علیه السلام

یصف فیها المتقین

روی أنّ صاحباً لأمیرالمؤمنین علیه السلام یقال له همّامٌ كان رجلاً عابداً، فقال له: یا أمیرالمؤمنین، صف لی المتقین كأنی أنظر إلیهم. فتثاقل علیه السلام عن جوابه، ثم قال: یا همّامُ، اتقِ اللهَ وأحْسِنْ فَـ (إنَّ اللهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَوْا والَّذِینَ هُمْ مُحْسِنُونَ) فلم یقنع همّامٌ بِذَلِكَ القول حتّی عزم علیه. فحمد الله وأثنی علیه، وصلّی علی النبی صلی الله علیه وآله، ثم قال علیه السلام: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ ـ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی ـ خَلَقَ الْخَلْقَ حِینَ خَلَقَهُمْ غَنِیّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِیَتِهِمْ، لِأَنَّةُ لاَ تَضُرُّهُ مَعْصِیَةُ مَنْ عَصَاهُ، وَلاَ تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ، فَقَسَمَ بَیْنَهُمْ مَعَایِشَهُمْ، وَوَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْیَا مَوَاضِعَهُمْ. فَالْمُتَّقُونَ فِیهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ: مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، وَمَلْبَسُهُمُ الْإِقْتِصَادُ، وَمَشْیُهُمُ التَّوَاضُعُ. غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَیْهِمْ، وَوَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَی الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ. نَزَلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِی الْبَلاَءِ كَالَّتِی نَزَلَتْ فِی الرَّخَاءِ. لَوْلاَ الْأَجَلُ الَّذِی كَتَبَ اللهُ عَلَیْهِمُ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِی أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَیْنٍ، شَوْقاً إِلَی الثَّوَابِ، وَخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ. عَظُمَ الْخَالِقُ فِی أنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِی أَعْیُنِهِمْ، فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِیهَا مُنَعَّمُونَ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِیهَا مُعَذَّبُونَ. قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ، وَأَجْسَادُهُمْ نَحِیفَةٌ، وَحَاجَاتُهُمْ خَفِیفَةٌ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِیفَةٌ. صَبَرُوا أَیَّاماً قَصِیرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِیلَةً، تِجَارَةٌ مَرْبِحَةٌ، یَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُم. أَرَادَتْهُمُ الْدُّنْیَا فَلَمْ یُرِیدُوهَا، وَأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أُنْفُسَهُمْ مِنْهَا. أَمَّا اللَّیْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِینَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ یُرَتِّلُونَهَا تَرْتِیلاً، یُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَیَسْتَثِیرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِآیَةٍ فِیهَا تَشْوِیقٌ رَكَنُو ا إِلَیْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَیْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أنَّهَا نُصْبَ أَعْیُنِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِآیَةٍ فِیهَا تَخْوِیفٌ أَصْغَوْا إِلَیْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِیرَ جَهَنَّمَ وَشَهِیقَهَا فِی أُصُولِ آذَانِهِمْ، فَهُمْ حَانُونَ عَلَی أَوْسَاطِهِمْ، مُفْتَرِشُونَ لِجَبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ وَرُكْبِهِمْ، وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ، یَطْلُبُونَ إِلَی اللهِ تَعَالِی فِی فَكَاكِ رِقَابِهِمْ. وَأَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ، أَبْرَارٌ أَتْقِیَاءُ، قَدْ بَرَاهُمْ الْخَوْفُ بَرْیَ الْقِدَاحِ، یَنْظُرُ إِلَیْهمُ الْنَّاظِرُ فَیَحْسَبُهُمْ مَرْضَی، وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ، وَیَقُولُ: لَقَدْ خُولِطُوا ! وَلَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِیمٌ! لاَ یَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِیلَ، وَلاَ یَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِیرَ. فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ، وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ إِذَا زُكِّیَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا یُقَالُ لَهُ، فَیَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِی مِنْ غَیْرِی، وَرَبِّی أَعْلَمُ بِی مِنِّی بِنَفْسی! اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنِی بِمَا یَقُولُونَ، وَاجْعَلْنِی أَفْضَلَ مِمَّا یَظُنُّونَ، وَاغْفِرْ لِی مَا لاَ یَعْلَمُونَ. فَمِنْ عَلاَمَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَی لَهُ قُوَّةً فِی دِینٍ، وَحَزْماً فِی لِیٍن، وَإِیمَاناً فِی یَقِینٍ، وَحِرْصاً فِی عِلْمٍ، وَعِلْماً فِی حِلْمٍ، وَقَصْداً فِی غِنیً، وَخُشُوعاً فِی عِبَادَةٍ، وَتَجَمُّلاً فِی فَاقَةٍ، وَصَبْراً فِی شِدَّةٍ، وَطَلَباً فِی حَلاَلٍ، وَنَشاطاً فِی هُدًی، وَتَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ. یَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَهُوَ عَلَی وَجَلٍ، یُمْسِی وَهَمُّهُ الشُّكْرُ، وَیُصْبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكْرُ. یَبِیتُ حَذِراً، وَیُصْبِحُ فَرِحاً، حَذِراً لَمَّا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَفَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ. إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَیْهِ نَفْسُهُ فِیَما تَكْرَهُ لَمْ یُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِیَما تُحِبُّ. قُرَّةُ عَیْنِهِ فِیَما لاَ یَزُولُ، وَزَهَادَتُهُ فِیَما لاَ یَبْقَی، یَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمَ، وَالْقَوْلَ بِالْعَمَلِ. تَرَاهُ قَرِیباً أَمَلُهُ، قَلِیلاً زَلَلُهُ، خَاشِعاً قَلْبُهُ، قَانِعَةً نَفْسُهُ، مَنْزُوراً أَكْلُهُ، سَهْلاً أَمْرُهُ، حَرِیزاً دِینُهُ، مَیِّتَةً شَهْوَتُهُ، مَكْظُوماً غُیْظُهُ. الْخَیْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ، وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ. إِنْ كَانَ فِی الْغَافِلِینَ كُتِبَ فِی الذَّاكِرِینَ، وَإِنْ كَانَ فِی الذَّاكِرِینَ لَمْ یُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِینَ. یَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَیُعْطِی مَنْ حَرَمَهُ، وَیَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ. بَعِیداً فُحشُهُ، لَیِّناً قَوْلُهُ، غَائِباً مُنْكَرُهُ، حَاضِراً مَعْرُوفُهُ، مُقْبِلاً خَیْرُهُ، مُدْبِراً شَرُّهُ. فِی الزَّلاَزِلِ وَقُورٌ، وَفِی الْمَكَارِهِ صَبُورٌ، وَفِی الرَّخَاءِ شَكُورٌ. لاَ یَحِیفُ عَلَی مَنْ یُبْغِضُ، وَلاَ یَأْثَمُ فِیمَنْ یُحِبُّ. یَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ یُشْهَدَ عَلَیْهِ. لاَ یُضَیِّعُ مَا اسْتُحْفِظَ، وَلاَ یَنْسَی مَا ذُكِّرَ، وَلاَ یُنَابِزُ بِالْأَلْقَابِ، وَلاَ یُضَارُّ بالْجارِ، وَلاَ یَشْمَتُ بالْمَصَائِبِ، وَلاَ یَدْخُلُ فِی الْبَاطِلِ، ولاَ یَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ. إِنْ صَمَتَ لَمْ یَغُمَّهُ صَمْتُهُ، وَإِنْ ضَحِكَ لَمْ یَعْلُ صَوْتُهُ، وَإِنْ بُغِیَ عَلَیْهِ صَبَرَ حَتّی یَكُونَ اللهُ هُوَ الَّذِی یَنْتَقِمُ لَه

ُ. نَفْسُهُ مِنْهُ فِی عَنَاءٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَةٍ. أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِآخِرَتِهِ، وَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ. بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَنَزاهَةٌ، وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنَهُ لِینٌ وَرَحْمَةٌ، لَیْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْرٍ وَعَظَمَةٍ، وَلاَ دُنُوُّهُ بِمَكْرٍ وَخَدِیعَةٍ. قال: فصعق همّام صعقةً كانت نفسُه فیها. فقال أمیرالمؤمنین علیه السلام: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَیْهِ. ثُمَّ قَالَ: أَهكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ البَالِغَةُ بِأَهْلِهَا؟ فقال له قائل: فما بالك یا أمیرالمؤمنین؟ فقال علیه السلام: وَیْحَكَ، إِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لاَ یَعْدُوهُ، وَسَبَباً لاَ یَتَجَاوَزُهُ، فَمَهْلاً، لاَ تَعُدْ لِمِثْلِهَا، فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّیْطَانُ عَلَی لِسَانِكَ!